فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

الْعَضْلُ يَتَصَرَّفُ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إلَى الْمَنْعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا؛ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ مَنْعِهَا عَنْ نِكَاحِ مَنْ تَرْضَاهُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقُّ الْوَلِيِّ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ مَنْعِهَا.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ لَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا كَلَامَ لِمَعْقِلٍ فِي ذَلِكَ. وَفِي الْآيَةِ أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَقْطَعُهَا هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وفي الآية إشارة إلى اعتبار الولاية للمرأة في النكاح بناء على غالب الأحوال يومئذٍ؛ لأن جانب المرأة جانب ضعيف مطموع فيه، معصوم عن الامتهان، فلا يليق تركها تتولى مثل هذا الأمر بنفسها؛ لأنه ينافي نفاستها وضعفها، فقد يستخف بحقوقها الرجال، حرصًا على منافعهم وهي تضعف عن المعارضة.
ووجه الإشارة: أن الله أشار إلى حقين: حق الولي بالنهي عن العضل؛ إذ لو لم يكن الأمر بيده لما نهي عن منعه، ولا يقال: نهي عن استعمال ما ليس بحق له لأنه لو كان كذلك لكان النهي عن البغي والعدوان كافيًا، ولجيء بصيغة: ما يكون لكم ونحوها وحق المرأة في الرضا ولأجله أسند الله النكاح إلى ضمير النساء، ولم يقل: أن تُنكحوهن أزواجهن، وهذا مذهب مالك والشافعي وجمهور فقهاء الإسلام، وشذ أبو حنيفة في المشهور عنه فلم يشترط الولاية في النكاح، واحتج له الجصاص بأن الله أسند النكاح هنا للنساء وهو استدلال بعيد استعمال العرب في قولهم: نكحت المرأة، فإنه بمعنى تزوجت دون تفصيل بكيفية هذا التزوج لأنه لا خلاف في أن رضا المرأة بالزوج هو العقد المسمى بالنكاح، وإنما الخلاف في اشتراط مباشرة الولي لذلك دون جبر، وهذا لا ينافيه إسناد النكاح إليهن، أما ولاية الإجبار فليست من غرض هذه الآية؛ لأنها واردة في شأن الأيامى ولا جبر على أيم باتفاق العلماء. اهـ.

.قال الفخر:

في التراضي وجهان أحدهما: ما وافق الشرع من عقد حلال ومهر جائز وشهود عدول.
وثانيها: أن المراد منه ما يضاد ما ذكرناه في قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} [البقرة: 231] فيكون معنى الآية أن يرضى كل واحد منهما ما لزمه في هذا العقد لصاحبه، حتى تحصل الصحبة الجميلة، وتدوم الألفة. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا كُفُؤًا، لِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي الثَّيِّبِ الْمَالِكَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا لَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فِيهِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي ثَيِّبٍ مَالِكَةٍ أَمْرَ نَفْسِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ هُوَ الْكَفَاءَةُ، وَفِيهَا حَقٌّ عَظِيمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ، لَمَا فِي تَرْكِهَا مِنْ إدْخَالِ الْعَارِ عَلَيْهِمْ؛ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ مِنْ الْأُمَّةِ. اهـ.

.قال أبو حيان:

فسر بأنه ما يحسن من الدين والمروءة في الشرائط وقيل: مهر المثل، وقيل: المهر والإشهاد. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعضهم: التراضي بالمعروف، هو مهر المثل، وفرعوا عليه مسألة فقهية وهي أنها إذا زوجت نفسها ونقصت عن مهر مثلها نقصانًا فاحشًا، فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة، وللولي أن يعترض عليها بسبب النقصان عن المهر، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس للولي ذلك.
حجة أبي حنيفة رحمه الله في هذه الآية هو قوله تعالى: {إِذَا تراضوا بَيْنَهُم بالمعروف} وأيضًا أنها بهذا النقصان أرادت إلحاق الشين بالأولياء، لأن الأولياء يتضررون بذلك لأنهم يعيرون بقلة المهور، ويتفاخرون بكثرتها، ولهذا يكتمون المهر القليل حياء ويظهرون المهر الكثير رياء، وأيضًا فإن نساء العشيرة يتضررن بذلك لأنه ربما وقعت الحاجة إلى إيجاب مهر المثل لبعضهن، فيعتبرون ذلك بهذا المهر القليل، فلا جرم للأولياء أن يمنعوها عن ذلك وينوبوا عن نساء العشيرة ثم أنه تعالى لما بين حكمة التكليف قرنه بالتهديد فقال: {ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بالله واليوم الأخر} وذلك لأن من حق الوعظ أن يتضمن التحذير من المخالفة كما يتضمن الترغيب في الموافقة، فكانت الآية تهديدًا من هذا الوجه. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما ذكر الأحكام مبينًا لحكمها فكان {ذلك} وعظًا وكان أكثر الناس يظن أن الوعظ مغائر للأحكام أقبل على المختار للكمال فقال: ذلك الأمر العظيم يا أيها الرسول {يوعظ} أي يرقق {به} قلوب {من كان} والوعظ قال الحرالي إهزاز النفس بموعود الجزاء ووعيده- انتهى. فهو تهديد لمن تشق عليه الأحكام وهم الأكثر.
ولما كان من أتباعه صلى الله عليه وسلم من جاهد نفسه حتى صار أهلًا لفهم الدقائق وإدراك الإشارات والرقائق فألقى كليته للسماع لحظه بقوله: {منكم} معلمًا أن الخطاب في الحقيقة لكل فاهم، وإنما قيد بهم لأنهم المنتفعون به الفاهمون له لما لهم من رقة القلوب الناشئة عن الإذعان لأن الخطاب وإن كان بالأحكام فهو وعظ يتضمن الترهيب كما يتضمن الترغيب ولما كان من الحكمة أن من لا ينتفع بشيء لا يقصد به أشار إلى ذلك بقوله: {يؤمن بالله} أي لما له من العظمة {واليوم الآخر} خوفًا من الفضيحة فيه، وفي تسميته وعظًا إفهام بأن من تجاوز حدًا في غيره سلط عليه من يتجاوز فيه حدًا.
قال الحرالي: لأن من فعل شيئًا فعل به نحوه كأنه من عضل عن زوج عضل ولي آخر عنه حين يكون هو زوجًا، ومن زنى زنى به {سيجزيهم وصفهم} [الأنعام: 139].
فلما وقع ما هيجوا إليه من كمال الإصغاء قال مقبلًا عليهم: {ذلكم} أي الأمر العظيم الشأن {أزكى لكم} أي أشد تنمية وتكثيرًا وتنقية وتطهيرًا بما يحصل منه بينكم من المودة والبركة من الله سبحانه وتعالى: {وأطهر} للقلوب. ولما كان وصف المتكلم بالعلم أدعى لقبول من دونه منه قال مظهرًا ومعيدًا للاسم الأعظم تعظيمًا للأمر: {والله} أي أشير إليكم بهذا والحال أن الملك الأعظم {يعلم} أي له هذا الوصف {وأنتم لا تعلمون} أي ليس لكم هذا الوصف بالذات لا في الحال ولا في الاستقبال لما أفهمه النفي بكلمة لا وصيغة الدوام. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لكل سامع، ثم رجع إلى خطاب الجماعة فقال: منكم، وقيل: ذلك بمعنى: ذلكم، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل، و: ذلك، للبعد ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب، وهو: هذا، وان كان الحكم قريبًا ذكره في الآية، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء، ومعنى: يوعظ به أي يذكر به، ويخوّف. و: منكم، متعلق بكان، أو: بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في: يؤمن، وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده، الناهي لهم، والآمر. و: اليوم الآخر، لأنه هو الذي يحصل به التخويف، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي. وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلاَّ المؤمن، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول {إنما يستجيب الذين يسمعون} وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى، {إنما يتذكر أولوا الألباب}. اهـ.

.قال الفخر:

في الآية سؤالان:
السؤال الأول: لم وحد الكاف في قوله تعالى: {ذلك} مع أنه يخاطب جماعة؟.
والجواب: هذا جائز في اللغة، والتثنية أيضًا جائزة، والقرآن نزل باللغتين جميعًا، قال تعالى: {ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} [يوسف: 37] وقال: {فذلكن الذي لُمْتُنَّنِى فِيهِ} [يوسف: 32] وقال: {يُوعَظُ بِهِ} وقال: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة} [الأعراف: 22].
السؤال الثاني: لم خصص هذا الوعظ بالمؤمنين دون غيرهم؟.
الجواب: لوجوه أحدها: لما كان المؤمن هو المنتفع به حسن تخصيصه به كقوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} وهو هدى للكل، كما قال: {هُدًى لّلنَّاسِ} وقال: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45]، {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} [يس: 11] مع أنه كان منذرًا للكل كما قال: {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
وثانيها: احتج بعضهم بهذه الآية على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الدين، قالوا: والدليل عليه أن قوله: {ذلك} إشارة إلى ما تقدم ذكره من بيان الأحكام، فلما خصص ذلك بالمؤمنين دل على أن التكليف بفروع الشرائع غير حاصل إلا في حق المؤمنين وهذا ضعيف، لأنه ثبت أن ذلك التكليف عام، قال تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] وثالثها: أن بيان الأحكام وإن كان عامًا في حق المكلفين، إلا أن كون ذلك البيان وعظًا مختص بالمؤمنين، لأن هذه التكاليف إنما توجب على الكفار على سبيل إثباتها بالدليل القاهر الملزم المعجز، أما المؤمن الذي يقر بحقيقتها، فإنها إنما تذكر له وتشرح له على سبيل التنبيه والتحذير. اهـ.
قال الزجاج: إنما قال ذلك، ولم يقل: ذلكم وهو يخاطب جماعة، لأن لفظ الجماعة لفظ الواحد، والمعنى: ذلك أيها القبيل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وإفراد الكاف مع اسم الإشارة مع أن المخاطب جماعة، رعيًا لتناسي أصل وضعها من الخطاب إلى ما استعملت فيه من معنى بعد المشار إليه فقط، فإفرادها في أسماء الإشارة هو الأصل، وأما جمعها في قوله: {ذلكم أزكى لكم} فتجديد لأصل وضعها. اهـ.

.قال الألوسي:

الخطاب للجمع على تأويل القبيل أو لكل واحد واحد أو أن الكاف تدل على خطاب قطع فيه النظر عن المخاطب وحدة وتذكيرًا وغيرهما. والمقصود الدلالة على حضور المشار إليه عند من خوطب للفرق بين الحاضر والمنقضي الغائب أو للرسول صلى الله عليه وسلم ليطابق ما في سورة الطلاق، وفيه إيذان بأن المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كل أحد بل لابد لتصور ذلك من مؤيد من عند الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى أزكى وأطهر أنه أوفر للعرض وأقرب للخير، فأزكى دال على النماء والوفر، وذلك أنهم كانوا يعضلونهن حمية وحفاظًا على المروءة من لحاق ما فيه شائبة الحطيطة، فأعلمهم الله أن عدم العضل أوفر للعرض؛ لأن فيه سعيًا إلى استبقاء الود بين العائلات التي تقاربت بالصهر والنسب؛ فإذا كان العضل إباية للضيم، فالإذن لهن بالمراجعة حلم وعفو ورفاء للحال وذلك أنفع من إباية الضيم.
وأما قوله: {وأطهر} فهو معنى أنزه، أي إنه أقطع لأسباب العداوات والإحن والأحقاد بخلاف العضل الذي قصدتم منه قطع العود إلى الخصومة، وماذا تضر الخصومة في وقت قليل يعقبها رضا ما تضر الإحن الباقية والعداوات المتأصلة، والقلوب المحرَّقة.
ولك أن تجعل {أزكى} بالمعنى الأول، ناظرًا لأحوال الدنيا، وأطهر بمعنى فيه السلامة من الذنوب في الآخرة، فيكون أطهر مسلوب المفاضلة، جاء على صيغة التفضيل للمزاوجة مع قوله: {أزكى}. اهـ.